ملخص تقرير البنك المركزي

تكشف الأرقام التي نشرها البنك المركزي عن أزمة عميقة تهدد الأمن المالي و الاقتصادي لتونس. فقد تراجع احتياطي النقد الأجنبي بنسبة 5.3% خلال سنة واحدة فقط، ليستقر في حدود 22.1 مليار دينار إلى حدود 23 أفريل 2025، أي ما يغطي بالكاد 97 يوم توريد، بعدما كان يغطي 107 أيام السنة الماضية.
 
هذا التراجع ليس رقماً معزولاً، بل دليل إضافي على النتائج الكارثية لمنهج الحكم الذي يتبعه قيس سعيد، و الذي قطع أوصال الحوار مع الشركاء الدوليين، و نسف أي إمكانية لإرساء إصلاحات جدية تعيد الثقة في الاقتصاد الوطني. في ظل هذا الانهيار، تسجل عائدات العمل نمواً طفيفاً بنسبة 7%، لتصل إلى 2.3 مليار دينار، و العائدات السياحية بدورها ترتفع بـ5.2% فقط، لتبلغ 1.7 مليار دينار. لكنها أرقام غير كافية، إذ لا تغطي مجتمعة سوى 62% من خدمات الدين الخارجي، التي ظلت في مستوى مرتفع يقارب 6.5 مليار دينار.
 
الخطير أن الدولة باتت تُمول جزءاً كبيراً من التزاماتها باللجوء إلى نفس الديون التي تحاول سدادها، في دورة عبثية تُغلق كل منافذ النمو. أما إعادة التمويل، التي تمثل شريان السيولة للمؤسسات، فقد تراجعت بـ2% لتستقر عند 13.9 مليار دينار منذ بداية السنة، ما يعني تضييق الخناق على الدورة الاقتصادية، و تزايد صعوبات الاستثمار و التشغيل و الإنتاج.
 
قيس سعيد، الذي يحكم بقرارات فردية و بمرسوم فوق مرسوم، لم يقدّم أي برنامج اقتصادي واضح، و لم يضع استراتيجية للخروج من الأزمة، بل اكتفى بخطابات تعبويّة و رفض لكل تفاوض جادّ مع المؤسسات المالية الدولية، مفضلاً الهروب إلى الأمام عبر خطاب “المؤامرات” و “الكرامة الوطنية” التي لم تنعكس على مائدة التونسيين بشيء.
 
في بلد تتقلص فيه الاحتياطات، و تزداد فيه أعباء الدين، و تغيب فيه الثقة من الداخل و الخارج، لا يمكن فصل الأرقام الصادمة عن طبيعة السلطة التي يكرّسها قيس سعيد منذ انقلاب 25 جويلية. إنها سلطة تقود تونس نحو الإفلاس المالي، بعد أن جرّدتها من مؤسساتها الديمقراطية، و من كل أدوات الحوكمة الرشيدة و المحاسبة.
 
في النهاية، لا تكفي “السيادة الخطابية” حين ينهار الدينار، و لا تجدي “معارك الكرامة” حين تعجز الدولة عن تغطية حاجياتها الأساسية. و الحقيقة التي لم يعد بالإمكان إخفاؤها، هي أن تونس تدفع اليوم فاتورة السلطة الفردية، و أن قيس سعيد لا يحكم فقط خارج منطق الاقتصاد، بل ضد منطق الدولة ذاتها.